عمليات فدائية
عام 74 في المغرب وصولت مجموعة فدائية لاغتيال عدد من الزعماء العرب إذا لم يعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد وتم الرضوخ لهذا الأمر من قبل المجتمعين بقمة الرباط . تعتبر هذه العملية من العمليات الهامة والمفصلية في التاريخ النضالي لحركة فتح ،والثورة الفلسطينية فهي العملية الحاسمة التي أدت إلي حسم المعركة بخصوص مسألة التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني. وكأي عملية عسكرية فإن السبب دائما ما يكون سياسيا .
امام محاولات البعض شطب الشعب الفلسطيني وسرقة تمثيله واذابة هويته الوطنية . كان من المستحيل أن تقف فتح مكتوفة اليدين أمام هذه المخاطر لهذا تحركت مجموعات منظمة أيلول الأسود سريعا بتعليمات أبو إياد من أجل تنظيم عمل يردع الدول العربية حيث تم تكليف رئيس قسم العمليات والاغتيالات في أيلول الأسود فخري العمري ( ابو محمد ) بتنظيم العمل وتشكيل فريق يتولي المهمة .
شكل أبو محمد فريقا من 13 فدائيا ،وزودهم بجوازات سفر مزورة لا تحتاج تأشيرة دخول للمغرب بمساعدة (أبو الوليد العراقي ) وشاركه تخطيط وقيادة العملية المناضل (أبو رجائي ) والمناضل( أبو هشام) وتوجهوا جميعا للمغرب بصورة فردية ، علي أن ينتظر كل منهم في فندقه في انتظار تعليمات أبو محمد للتجمع في النقطة المحددة والمتفق عليها سلفا ،
وبشكل غير معروف وغامض حتى الان تم اعتقال الفدائيين ال 14 من قبل الامن المغربي ومن بين المعتقلين الاخ فخري العمري ... وقام الامن المغربي بأبلاغ الملك الحسن الثاني عن وجود مخطط لدى فدائيي الفتح ( ايلول الاسود لاغتيال عدد كبير من الزعماء العرب اثناء انعقاد القمة العربية في الرباط
وبما أنه لم يتم العثور علي السلاح فإن الخطر مازال قائما ،وقد أشار التقرير أيضا إلي اتهام أبو إياد فدافع عنه أبو عمار ، وحينما عرضت عليه صور الموقوفين تعرف علي أبو محمد العمري وأبو رجائي واخبر الملك أن هؤلاء مطرودين من فتح ويعملون في أيلول الأسود ولا علاقة لفتح بالأمر !!!!
تحرك القائد أبو إياد سريعا لمنع وصول الأسلحة إلي المغرب حتى لا يتوفر الدليل المادي الذي يدين الفدائيين ويبقيهم في السجن مدي الحياة علي أقل تقدير لهذا أوعز لاحد وكلاء أيلول الأسود بالإبلاغ عن شحنة الأسلحة للسلطات الأسبانية ، وهو ما تم بالفعل حيث أقف الأمن الأسباني الشحنة وصادرها وقام بطرد السائق ومناضل آخر لأنهم لم يريدوا التورط في قضية تتواجه فيه اسبانيا مع الفدائيين .
لم يكن أمام الأمن المغربي سوي الضغط علي الفدائيين للاعتراف بمسئولية أبو إياد أو أبو عمار عن العملية ولأن الجميع اعترف علي أبو محمد العمري بأنه مسئول العملية فقد نال النصيب الأكبر من التعذيب محملا نفسه المسئولية الكاملة عن العملية باعتباره قائد أيلول الأسود ولا علاقة لفتح بالأمر !!
وفي الجانب الآخر من المشهد عقدت القمة العربية في جو من الرعب والشائعات لدرجة أن أولئك المعروفون بعائهم الكامل لمنظمة التحرير أصبحوا فجأة مدافعين مستميتين عن منظمة التحرير الفلسطينية !! فقد كانوا يعتقدون أن أيلول الأسود نشرت عشرات المسلحين لقتل الرؤساء العرب وكانت عمليات ايلول الاسود في كل مكان من الدنيا حاضرة في أذهان الزعماء العرب
أما أبو عمار وأبو إياد فقد حضرا القمة العربية وحصلا علي ما يريدان بدون أي دليل إدانة لهما بفضل تماسك أبو محمد ورفاقه في التحقيق .
- لهذا حققت عملية المغرب انتصارا عظيما بدون إراقة نقطة دم واحدة ،وتمثل هذا الانتصار في:-
1- التأكيد علي حق الشعب الفلسطيني في العودة .
2- التأكيد علي حق إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني علي كل قطعة محررة من الأراضي الفلسطينية ، وعلي جميع البلاد العربية دعم هذه السلطة في شتي المجالات .
- واستنادا علي هذا القرار ،وبعد أسبوعين فقط في 13/11/74 تم استقبال ياسر عرفات في الأمم المتحدة ،وتم الاعتراف بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ،
وتم منح فلسطين صفة مراقب في الأمم المتحدة في أول سابقة في التاريخ أن تشارك حركة تحرر وطني رسميا في المنظمة الأممية بالإضافة إلي اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.
تحركات أبو إياد للإفراج عن أبو محمد ورفاقه:-
بتاريخ 19/11/74 وفي مهرجان شعبي حافل عقد في جامعة بيروت العربية احتفالا بالانتصار المدوي لمنظمة التحرير الفلسطينية علي المستويين العربي والدولي تبني أبو إياد محاولة الفدائيين المعتقلين في المغرب (الذين هم بالأساس أصحاب هذا الإنجاز) ، وألمح إلي انه إذا أصم الملك الحسن الثاني أذنيه عن نداءاته بالإفراج عن المناضلين فإن لدي فتح من الوسائل التي تجبر العاهل المغربي علي الإذعان !!،
وهنا وصلته رسالة صغيرة أثناء الخطاب فحواها أن المغرب أطلق سراح الفدائيين وسلمهم إلي السادات الذي أودعهم سجن القلعة ؟! فانتقل أبو إياد من الهجوم علي الحسن الثاني إلي الهجوم علي السادات إلي أن قوطع مرة أخرى ،ولكن بواسطة أحد أعضاء السفارة المصرية حررت بهذه العبارات ( السادات يدعوك لرؤيته فورا ..فلا تنتقده قبل أن تستمع إليه ) ..وهنا عدل أبو إياد خطابه الموجه للجمهور مخبرا إياه أن أصدقائنا المصريين أبلغوه للتو أن احتجاز الفدائيين ( إجراء روتيني) ، وهم يلقون معاملة حسنة .
وفي اليوم التالي غادر أبو إياد إلي القاهرة وقابل السادات ثم توجه الى الهاتف وتحدث مع وزير الداخلية ( ممدوح سالم ) ،وطلب منه سرعة الإفراج عن الفدائيين الأربعة عشر فورا .
التصالح مع الملك الحسن الثاني :-
بتاريخ 20/8/1975 توجه أبو إياد بصورة بالغة التكتم إلي الدار البيضاء بصحبة المناضلين الثلاثة (أبو محمد – أبو رجائي – أبو هشام ) علي متن طائرة مغربية خاصة برعاية ضباط من المخابرات المغربية الذين أنزلوهم في مقر فخم بالدار البيضاء لمدة ستة أيام قبل التوجه إلي الرباط لمقابلة الملك الحسن ..وفقا لقواعد ، وأبهة البلاط الشريفي . إذ وصل القادة الفلسطينيين إلي القصر في عربة فخمة تتقدمها الدراجات النارية بمرافقة حشد من الحرس الملكي إلي أن استقبلهم رئيس المراسم الملكية ،وأدخلهم لمقابلة الملك،وقال ابو اياد للملك أن هؤلاء الفدائيين الثلاثة ما هم إلا طلاب حرية ،ومدافعين عن حق منظمة التحرير في تمثيل شعبها ،وليسو لصوصا ، ولا قطاع طرق كما صورتهم الصحافة المغربية ..!!
استمع الملك الحسن باهتمام ثم عرض وساطة بين الملك حسين ، والمقاومة ، و تطرق إلي موضوع النزاع مع الجزائر حول الصحراء الغربية ، حيث اقترح صيغة تسوية مع الجزائر طالبا من أبو إياد المساعدة في نقلها إلي الرئيس (بومدين) قبل المغادرة إلي بيروت نظرا للعلاقة المميزة التي تربط الثورة الفلسطينية بالجزائر.
وفي 31 /8 / 1975 تفاجأ أبو إياد بأن مضيفيه المغاربة قد رتبوا له احتفالا بعيد مولده بحضور زوجته ،وأطفاله الستة ،وبصحبة المناضلين الثلاثة ،وشخصية كبيرة من البلاط الملكي ،وغنوا جميعا الأناشيد الفلسطينية ،والمغربية حتى ساعات متأخرة من الليل .
وبهذا فتحت صفحة جديدة من العلاقات مع المغرب ، وحققت فتح ما كانت تهدف إليه من الحصول علي الاعتراف العربي ،والدولي بدون إراقة نقطة دم واحدة بفضل حنكة ،وذكاء أبو إياد ،وبسالة الفدائيين ، وشجاعتهم
البندقية مؤشر بوصلتنا
نحو القدس
نحو العودة
نحو التحرير والكرامة